نبيل فكري .. يكتب: الإعلام «السايب» .. «يعلّم السرقة» !
لا شيء يؤرقني أكثر من أن يعمل من لا يعرف في هذا الذي لا يعرفه، وقد ابتُلينا في مجتمعنا بهذه النماذج حتى وصل الأمر أن أصحاب «دبلومات» – مع كامل الاحترام للدبلومات– يُقبض عليهم مُتلبسين بممارسة مهنة الطب.
ومن أكثر الاختصاصات التي تم السطو عليها «الإعلام»، وليس «الكتابة» إذ من حق أى أحد أن يكتب قصة أو شعراً أو نثراً أو مقالة أو رواية، لكن أن يمارس الإعلام، فهذا تخصص وإلا ما كانوا جعلوا له كلية من ثلاثة أقسام، لأربع سنوات، بها أساتذة ولها عميد وفيها تقديرات من امتياز إلى مقبول.
نوافذ «السوشيال ميديا» هي التي أغرت الكثيرين بممارسة المهنة، وكل صاحب صفحة على «فيس بوك» أو حساب على «إكس» أو «سناب» لديه خمسة، ستة، عشرة، من أصدقائه يجاملونه «بلايك» أو «شير» ظن نفسه إعلامياً وخبيراً وعالماً ببواطن الأمور، ثم تطور الأمر إلى «سبوبة» للاسترزاق أو حتى السرقة .. نعم السرقة، بحشد الأصدقاء أو المعارف أو بقية «الأرزقية» لمهاجمة هذا أو ذاك، وإجباره على أن يراضيهم «بالمعلوم» ولو تحت مسمى إعلان أو حملة إعلامية، وأعرف كثيرين من هؤلاء «الزلنطحية» الذين أصبح لهم سعر ومكانة صنعها – مع الأسف – راغبو الشهرة الزائفة ومحبو التصوير و«شغل الشوبش».
وعرف هؤلاء «الزلنطحية» معنى كلمة «حصري»، «وانفراد» و«هاشتاج» ولأن أحداً لا يعرف من هذا ومن ذاك، واصلوا «الفتيّ» فبدأوا على استحياء ثم تغالوا في الأمر، ثم بدأوا يتناسون حقيقة أنفسهم ويتعاملون بوصفم إعلاميين، بل ويغضبون إن لم تتم دعوتهم للأحداث أو إن تجاهلهم الناس.
أما أهم ما يميز هؤلاء، ولأنهم كثيرون، فهو أنهم متكتلون، يتحركون أحياناً وفق أجندات، وإذا ما حاولت أن تدخل «عش الدبابير» هذا سيتحدون معاً وينهالون عليك كالذباب عبر منصاتهم وسيجندون كل معارفهم لهذا الغرض، في زمن «الرويبضة» التي تتجسد واقعاً هذه الأيام.
لا أعنى السائرين على درب الإعلام ممن ينتمون إلى كيانات، وحتى الذين لم يُعيَّنوا منهم أو لم يلتحقوا بعد بالنقابة، وأعرف من هؤلاء من هم أكثر وفاء للمهنة من أصحابها، لكني أعني أولئك الذين لا مهنة لهم .. لا تعرف ماذا يشتغلون بالضبط، لكنهم يطلون من صفحات مشبوهة، ليفرضوا أنفسهم كخبراء يعلمون خفايا الأمور، وبعضهم «صدعونا» بأنباء تكريمهم وشهادات الدكتوراه الفخرية التي يحملونها وحصلوا عليها من أكشاك السجائر، وسفراء مؤسسات وهمية لا أحد يعرفها، يتصورون بالأوشحة والأوسمة وكأنهم فتحوا «عكا»، وتراهم في كل مكان، كأنهم الكراسي والمناضد، يحمل بعضهم ميكروفونات عليها «دبليو سي» أو «إس إس إكس» أو«إم إح تح» حتى صاروا كالوباء، بل هم مسؤولون عن تردي الذوق العام، لأنهم باختصار وطالما لا يعلمون، صدروا في المشهد أمثالهم من الجهلة والسفهاء.
يا سادة: الإعلام بالذات أولى بألا يمارسه سوى أهله، ومن أراد الإعلام فليعلم كيف يكون، وأظن أن أحداً لن يقبل من إعلامي حقيقي أو صحفي نقابي أو غير نقابي ينتمي لمؤسسة جادة، أن يفتح عيادة أو مكتب محاماة أو حتى «كوافير»، فلا تُقحموا أنفسكم في مهنة المفترض أنها تشكل الوعي وتُبَصّر الناس .. الوطن لا يتحملكم أنتم أيضاً وإن أردتم «الاسترزاق» فهناك مهن كثيرة تستطيعون أن تجنوا منها ثروات، اشتغلوا «رقاصين» و«رقاصات».